lundi 27 février 2017

الكاتب والاديب المبدع زكريا محمد .. لا ادري

لا أدري ....
بكل مرة يعلو صفير القطار يزداد قلبي خفقا، سيتوقف ويصعد زائري أو أترجل إليه ، شيئ من الخوف والقلق ينتابني ، بصمت ترجلت ، وبخطوات متثاقلة نحو ذلك المقعد الخشبي سرت
سألتني : ماذا تشرب أستاذ؟
أجبت : قهوة بلا سكر

كانت نحيلة القد ، ممشوقة القامة ، تلف شعرها بربطة سوداء ، كانت دائمة الإبتسامة للمسافرين وكأنها تزرع في قلوبهم أمل يوم جديد ، كان يبدو خلف ابتسامتها حكاية حزن لم تنتهي ، اعتلت وجنتيها ورود حمراء قانية اللون .
سألتها ؟
منذ متى وأنتي هنا ؟
أجابت :
منذ أن اجتاح البرد مفاصل أيامي واستوطن الألم أعماقي ،
أنا هنا .. منذ أن أفقت ولم أجد قلبي وبقيت جسدا ينزف صبرا بلا حدود.
أنا امرأة بيتي من صقيع ، وخزائني تمتلئ بالذكريات ،
منذ زمن لم أعرف الدفئ ، تتسلل الشمس خجولة عبر نافذتي المؤصدة بالحنين .
ليلي ياسيدي طويل جدا ، نجومه الشوق والأنين ، وقمر مختبأ بين غيوم الوحدة وظلم السنين ، وحدها ذاكرتي تعيد رسم الأشياء دوما والهروب منها محال .
هذا جزء من أنا فمن أنت لتسأل ؟

نزعت نظارتي ، وضعتها جانبا وكأني أحاول أن أرى اكثر ، أشعلت سيجارتي ، نفثت في الهواء سحابها ،
قلت :
أنا يا سيدتي رجل أتعبه السفر ، أرهقته المحطات ،
أنا يا سيدتي غريب أبحث عن وطني ، فقد كانت عيناها مسكني وعلى بابها زرعت الياسمين ، كان صباحها ميناءي ، ومساءها مرفأ سفن لقصائدي ، وبين ضفائرها صنعت أرجوحة لأمنياتي وأحلامي ، كانت بيضاء كالقمر في ليالي العاشقين ، ابتسامتها مشرقة كالشمس ، ضحكتها تغازل أجفان الليل ،
كانت هي حدود عالمي بها يبتدأ وعندها ينتهي.
صحوت يوما ، وجدتني بلا وطن ، تساوى عندي الليل والنهار ، أضعت حدود مملكتي ، تائه..بلا سكن..بلا مأوى
مشرد قلبي في أزقة السنين .
أبحرت بحثا عنها ، فلم أجدها وأضعت طريق عودتي ، ذاكرتي مثقلة بدروبها وتفاصيلها .
قاطعتني وقد اغرورقت عيناها بالدموع ، تعثرت بالنطق وتلعثمت الحروف على شفتيها ، أردت أن أترجم كلماتها ، أمسكت بيدي و القطار يعلو صفيره وعجلاته بدأت بالدوران ، اتجهت الى مقصورتي وعيناي تتسمر بعيناها محاولا معرفة ماكانت تريد أن تقول.
هل كانت تريد أن تنبهني بأن القطار سيرحل ؟
لا أدري....
بقلمي زكريا محمد

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire